المظهر الحادي عشر : تدريس التعليم المحرم شرعاً وإهدار الطاقات فيه
فعندنا كليات للقانون والقوانين الوضعية وأقسام لها ، وفي البلاد الإسلامية وهناك المعاهد العليا للموسيقى ، وكليات الفنون الجميلة التي تدرس النحت والتماثيل ، وكأننا قد ملئنا البلاد بعلماء الفلك والذرة ؛ حتى نحتاج إلى تعليم الفنون الجميلة كالرقص الشرقي وغيره ، وقد سبق أن ذكرنا في درس المجلات أن إحداهن قالت لماذا نكرّس علماء للذرة ، وأبحاث للذرة ، مما يهدد أمن العالم وسلامه ، يكفي أن نبني مدارس لتعليم الباليه ، والرقص الشرعي ؛ حتى نتطور ونرقى .. إلى آخر ما يكرّس ، وتهدر فيه الطاقات ، والأموال ، والمتخصصين ، وحملة شهادات عليا ، ودكتوراة في هذه الأمور السخيفة .
المظهر الثاني عشر : عقم العملية التعليمية
يغلب على الأنظمة التعليمية في البلاد الإسلامية الاهتمام بالكم دون الكيف ، فهم يخرجّون أعداداً هائلة ممن لا يفقهون مما تعلموا شيئاً ، بل ربما لا يعرفون مما تعلموا إلا العناوين ، أيضاً بين العملية التعليمية ، والمسائل الروتينية فالمدرس يعلّم ، وعليه أن يقسّم الدرجات بين ثلاث وأربع ، وأسئلة شفهية ، وعنده توجيه ، وعنده تصحيح ، وعنده بعض الأمور ، وأشياء شكلية كثيرة ، يعرف هو أنها شكلية ، ويعرف من يراقبه أنها شكلية ، ويعرف من وضعها أنها شكلية ، ومع ذلك هي أساسية ، ولها الأولوية ، وكل ذلك على حساب العملية التعليمية ، أيضاً بين الجانب النظري والعملي أغلب الدراسات نظرية ، أما المعامل والبحوث والتطبيقات العملية فدائرتها أضيق ما تكون بين الثبات والأنظمة المتجددة .
أكثر التغييرات في النظم التعليمية في العالم الإسلامي ، فكل يوم يخترعون نظاماً جديداً ، وطريقة جديدة ، وكذلك بين المؤهلات والواسطات التي ذكرناها ، فالذي يتفوّق ويتخرج بأعلى الدرجات لا يحظى بالفرصة لكي يدرس ويتخصص ، ويأتي غيره ممن له طرق أخرى فيصل ، وكذلك بين الانطواء النظري ، والانفتاح العملي معلوم أن الجامعات في كثير من ديار العالم ، أنها هي التي تحل مشكلات الاقتصاد ، وتقدّم التقنية ، وتطوّر المصانع ، أما الجامعات عندنا في غالب الأحوال تقدم كتباً تحفظ ، ثم يستفرغها الطلاب على صفحات الورق ، وآخر الظواهر ما تردده وسائل الإعلام الغربية من ضرورة تغيير المناهج في البلاد الإسلامية ؛ للقضاء على جذور الإرهاب ، وهو ما يسمى بـ " سياسة تجفيف المنابع " وقد بدأت بعض الدول الإسلامية بحذف بعض الموضوعات المتعلقة بالجهاد ، والعلاقة مع اليهود ، تنفيذاً لهذه السياسة .
التوجيه والإعلام
أهميته وخطورته
أولاً : اتساع دائرة التعامل
فالخطاب الإعلامي موجه للمجتمع بكل فئاته المتعلم وغير المتعلمة ويصل لجميع أفراد المجتمع .
ثانياً : تعدد الوسائل في القديم
كان هناك عندك كتاب ، وجواب ، وبحث ، أما الآن فصحيفة ، وإذاعة ، وتلفزيون ، وبث مباشر ، وفيديو ، وإنترنت .
ثالثاً : عمق وقوة التأثير
لأن هذا المعلم يبقى معك فترة ، ويتفاعل معك ، ويأتيك المشهد الذي يغيّر تغييراً قوياً في العواطف والأفكار .
رابعاً : امتداد زمن التأثير
المدرسة أربع ساعات ، أو ست ساعات ، أما هنا فمن وقت الإشراق إلى وقت الغروب.. إلى أن يدلهم الليل ، موجات الأثير تحمل لك كل شيء من هذه المواد الإعلامية .
خامساً : اتساع رقعة التأثير
فالتعليم في القرى النائية تجد هناك مدرسة واحدة ، ابتدائية ، وإذا كبرت فمعها متوسطة ، وإذا اتسعت فثانوية ، أما الجامعات فقليلة ، أما الإعلام فكل قرية فيها إذاعة وفيها تلفزيون وفيها قنوات ؛ لأن هذه القنوات تعبر القارات بدون تعب ، ولا تحتاج إلى مبان ، ولا تحتاج إلى مدرسين ، ويتكلم المذيع من مكانه ويسمع شرق الأرض وغربها .
مظاهر الخلل في الإعلام
المظهر الأول : التناقض وتكريس الخصام
فهناك برنامج ديني يقول : التبرج حرام ، ثم تأتي بعده تمثيلية فيها التبرج بأجلى صوره وأوضحها ! وهناك برنامج طبي يحذر من التدخين وآثاره ، ثم يأتي الفيلم الذي يكاد أن يخرج الدخان فيه من شاشة التلفاز من كثرة ما يرى أحياناً من كثرة المدخنين !
أيضاً إدارة للبرامج الدينية في كل دائرة تلفزيونيه ، وتقدم هذه الإدارة البرامج بعيدة من كل شيء ، صفحة إسلامية في كل مجلة وجريدة ، ليبقى هناك إسلام ، وهناك شيء لا علاقة له بالإسلام ؛ حتى المجلات التي ليس لها - كما يقولون - في الإسلام نصيب لا من قريب ولا من بعيد ، لا بد لها من صفحة في ظلال الإسلام ، أو صفحة فتاوى ، أو صفحة الدين ، كل ذلك لإيجاد هذا التناقض في حس الناس وفي واقع الحياة .
المظهر الثاني : تهوين المحرمات وتبريرها
فتمارس المحرمات عبر وسائل الإعلام بصورة تلقائية ، وتشرب الخمور ، وتمارس الفواحش ، وتظهر القبلات ، ويظهر التبرج ، ويظهر على أنه أمر عادي ، بل ربما يظهر على أنه مطلوب ومرغوب إلى آخره .
المظهر الثالث : تضييع الهوية
فلا يكاد المرء يعرف ما هي الشخصية التي يريد الإعلام أن يصوغها ، فهل هو يريدها الشخصية العربية المعتزة بعروبتها ، أو الشخصية الوطنية المنتمية لوطنها ، لا تعرف ما الذي يريده الإعلام ؛ لأنك تشاهد خليطاً غير متميز ورقع شوهاء مختلطة ممتزجة ، لا يعرف أولها من آخرها ، فليس هناك مناهج مدروسة ، ولا سياسات مرسومة في وسائل الإعلام ، بل على طريقة القس زويمر الذي قال: " لا نريد المسلمين أن يدخلوا المسيحية ، نريد أن يخرجوا من الإسلام " المهم أن يخرج من هذه الهوية ، وبعد ذلك فليضع في أي واد من الأودية ،ونرى ممارسات بلهاء في بعض وسائل الإعلام حيث لا هدف ولا غاية ، وبعضها فيها جانب آخر - وهو أخطر - وهو تركيز هويات غير إسلامية .. تركيز للمسخ الإجرامي ، بعضها يدعو إلى بعثية خاسئة ، أو شيوعية خاسرة ، أو رأسمالية ماكرة ، أو إباحية داعرة ، أو إلحادية كافرة ، إلى آخر ذلك مما يكرس هذه الجوانب .
المظهر الرابع : يأتي فقدان البعد الإسلامي في النقد والتحليل
انطلاقا من هذه الصورة الهلامية والببغاوية في التقليد ، والنقل لكل مواد الإعلام الغربية ، ننقل الأخبار ، وتقع الأحداث ، وليس هناك أي تسليط للضوء على تقويمها في ميزان الإسلام ، وارتباطها بسنن الله - عز وجل- أثرها نفعاً أو ضرراً على المسلمين ، كل ذلك لا أثر له ، لا من قريب ولا من بعيد إلا فيما ندر ، وهناك صورة أخرى تزيد في هذا ، لا تكتفي بعدم صدق النقل ، ودقة التحليل بالمنهج الإسلامي ، بل تتركه وتغير فإذا بالمجاهدين ثوّار ، وإذا بالملتزمين متطرفين ، وإذا .. وإذا ، إلى آخر ذلك فهو أيضا يزيد في بعد هذا الجانب .
المظهر الخامس : تزييف القدوات
حتى يقال للرجل : ما أعلقه ! ما أظرفه ! وليس في قلبه من الإيمان حبة خردل ، ولذلك نجد أن التسليط الذي يسلطه الإعلام وأضواءها ، تبرز قدوات يسمون بـ " النجوم والأبطال " ، وتأتينا العبارات من خلال هذه الوسائل ، سواء عن أهل الفن أو أهل الرياضة .. " حطمنا أسطورة الصين " .. " قهرنا امبراطورية اليابان " .. " هزمنا قوة الألمان " ، وذلك إما أن يكون في حصول فوز رياضي في مباراة ، أو حصول فيلم من الأفلام في مهرجان على جائزة أو مرتبة ، وبالتالي استطعنا أن ننافس ، وأيضاً تكريس ذكرى وفاة فلان .. بطولة فلان .. جهاد فلان ، ومنهجه في الحياة ، وآراءه في الأزمات ..
عندما تأتي أي قضية ، أو أي حدث ، فالذين تسلط عليهم الأضواء هي هذه النوعيات ، رغم خوائها وفسادها إلا أنها تبرز للمجتمع كقدوات ، وبالتالي تزييف هذه القدوات ، ويتأثر الناس بها سلباً في تصوراتهم وسلوكياتهم .
المظهر السادس : المتاجرة بالغرائز والتلاعب بالعواطف
أي المواد الإعلامية سواء في شرق أو غرب ، لا بد أن تأتي في هذين الجانبين .. المتاجرة بالغرائز ، والتلاعب بالعواطف -كما يقولون - مشاهد أو أفلام بوليسية ، لا بد أن يكون أساسها وبطولتها تتعلق بالحب والغرام ، والعشق والهيام ، وما يلحق بذلك من كشف العورات ، وإثارة النزوات ، وتأجيج الشهوات ، كل هذا مخالف لما ينبغي أن يكون في حياة الأمة المسلمة ، ثم كنت ربما قبل أكثر من عشر سنوات أركز على جانب التلاعب بالعواطف ، كتبت مقالاًَ بعنوان : [ الحياة فن ] ، ذكرت فيه أن الناس ينفعلون ويحزنون ، بل يبكون وتدمع أعينهم ، والسبب هو أن البطل في الفيلم مسكين حرم أو ظلم أو سجن ، وقد يفرحون ويهللون ، بمعنى أن مشاعر الحب والبغض ، ومشاعر الولاء والبراء ، ومشاعر الحماس والانفعال ، ومشاعر الانقباض والحزن ، أصبحت أمر تتسلط عليه هذه الوسائل الإعلامية ، حتى أني أعلم وأعرف في فترات مضت ، أن الشباب في سن المتوسطة والثانوية ، عندما كانوا يقرأوون قصص ، أو روايات مثل [ قيس وليلى ] ، يبقى معها وقتاً طويلاً ، وتدمع عينه ، ويحزن لمأسآة قيس وما وقع له .. كل ذلك داخل في هذا الإطار ، ويحصل من وراء ذلك إفساد الأذواق ، وتقويض الأخلاق ، وإضعاف الإيمان في القلوب ، وإجهاض الإسلام في السلوك .
المظهر السابع : تضييع الأوقات وتبديد الطاقات
أموال تصرف على هذه الوسائل في كثير من البلاد ، أضعاف أضعاف ما يصرف على الزراعة ، والصناعة ، والتعليم .
ولقمة العيش التي يبحث عنها الناس فلا يجدونها إلا ملطخة بالأوحال ، وعندما تطأ أيديهم ، بل ربما أعناقهم النعال ، ومع ذلك تصرف المبالغ الهائلة في هذه الوسائل ، رغم أن الحاجة ليست بالدرجة المهمة على هذا النسق ، ورغم أنها تؤدي هذه الأدوار السلبية ، والأوقات تتحنط أحياناً أمام أفلام الكرتون ، وتتصلب أعناق الشباب أمام المباريات ، وتتعلق أبصار الفتيات بالتمثيليات ، وتنشغل القوى الفكرية ، وتنشل الحركة المرورية أحياناً بسبب هذه الموجات الإعلامية ، وقريباً يحدثني أحد المدرسين في إحدى الكليات : أنه في يوم من الأيام كان هناك ثلاثة فصول كاملة خاوية على عروشها ؛ لأنه كانت هناك مباريات تبث في التلفاز في وقت الصباح على ما فهمت على أقل تقدير .
المظهر الثامن : تغيير الأفكار وتبديل الاهتمامات
فتغيير أفكار الناس واهتماماتهم وطموحاتهم بناء على هذا الجانب .
المظهر التاسع : تكريس التبعية وإحياء التقليد
من خلال تمجيد الأجنبي وتعظيم الغربي ، دائماً الأجنبي والغربي هو الذي يظهر في الصورة المشرقة وكذا ، والعربي والمسلم يظهر حتى في إعلامنا العربي والإسلامي ، يظهر العربي في صورة الأبله والساذج والضعيف والمتخلف ، وبالتالي نعلم أنه لا بد من خلال هذا التكريس أن يرتبط الناس بالغرب ، وبالأمم القوية ، وبالأمم المتحضرة ، وأنه لا يمكن أن نسير ولا أن نتقدم إلا إذا أخذنا هذا الجانب .
المظهر العاشر : محاربة الإعلام الإسلامي بالإعلام
فإذا تحجبت المذيعة لا يمكن أن تظهر على شاشة التلفاز ، وإذا أريد أن يكون بدلاً من المقدمات الموسيقية نشيداً إسلامياً ، فلا يمكن أن يكون ذلك ؛ لأن هذا سيظهر لماذا كان هذا هنا ؛ لأن الجانب الآخر سيكون هناك دلالة على أن الجانب الآخر محرم ، أو غير مشروع .
وأخيراً هجمة شرسة مجددة رغم الإعلام الذي ذكرنا فيه هذه المظاهر من الخلل ، إلا أن هناك أمور تزيد على هذا مثل ما قرأت في ندوة في مجلة [ روز اليوسف ] حول الرأي الآخر في وسيلة التلفاز يقول بعضهم : أن التلفاز وسيلة ترفيه ، وليس مجال لطرح الآراء والأفكار ، يعني الناس لتضحك ولتنام ، ولتستمتع وتعيش كما يعيش المخدرون من المدمنين ، وكذلك هجمة قوية ، ومزيد من الانحلال ، بل ذكر بعض الكتاب أن مرد التطرف الذي يسمونه ، ويدعونه أن أجهزة الإعلام كرست هذه الجوانب عن طريق البرامج الدينية التي بثت هذه الأفكار ، وقد سبق أن ذكرنا قبل ذلك عدد ساعات البث وموازينها ، أقول : أيها الإخوة إن الموازين انعكست ويذكرنا ذلك بقول أبي العلاء المعري :
إذا وصف الطائي بالبخل مادر **** وعير قسا بالفهاهة باقل
وطاولت الأرض السماء سفاهة ****وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة **** وقال الدجى للصبح لونك حائل
فيا موت زر إن الحياة مريرة **** ويا نفس جدي إن دهرك هازل
هذه الصور المقصود أن نتوعى لها ، وأن نعرف حقيقتها، أن نحذر من آثارها ،ونتحمل مسئوليتنا تجاه الإصلاح وهذا الذي يدعونا لهذا الحديث ، وأخيراً ينبغي أن يكون في حس كل إنسان مسلم ، أن لايركز دائماً على هذه الأخطاء ، وليركّز على الدائرة التي ذكرتها من قبل ، وهي الأخطاء من الأفراد ، فيما تملكه أنت من طاقات في عقلك وتفكيرك ، ووقتك ، وثقافتك ، وعلمك ، ومشاعرك ، وحماسك ، فيما تملكه أنت من أبنائك وأسرتك ، فيما تملكه من كلمة حق تقولها ، أو مقالة صدقة تكتبها ، أو إنكار منكر تمارسه ، كل هذا هو الذي ينبغي أن نواجه به أنفسنا ، كما أشرت في مسألة المرآة حتى يكون ذلك بداية لهذا التصحيح .
أقول : إن الجوانب كثيرة ومتعددة ، وأؤكد ثانياً وثالثاً ، أن ذكر هذه المظاهر من الخلل لا يراد بها الاستمتاع ، ولا يراد بها الإثارة ، بل يراد بها أن نخطو خطوات عملية في ميدان التغيير والإصلاح .